الإنسان وموطنه الأصلي يولد الإنسان في أغلب الأحوال في وطنه بين أمه، وأبيه، وإخوانه، وبين من يحبهم، ومن لا يستطيع العيش من دونهم، ويكبر على هذا الأمر، ويرتبط في وطنه بالعديد من العلاقات، وتعتلق في ذهنه العديد من الذّكريات التي يصعب عليه إلقاؤها، أو التنكّر لها حتى في أكثر الأوضاع سوءاً.
غير أنّه في بعض الأحيان ولأسباب سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية قد يكون مضطرّاً إلى ترك أهله، وموطنه، ومن تعلق قلبه بهم، والذّهاب إلى بقعةٍ أخرى من بقاعِ الأرض، والعيش فيها، وممارسة حياته بشكلٍ طبيعيٍ خالٍ من المنغصات، وهذا التحرّك والتنقل يعرف باسم الهجرة.
طالما كان هذا الموضوع موضعاً للدّراسة، لما له من آثارٍ سلبيةٍ على مستوى البقعة التي يهجرها أهلها، وعلى مستوى الجماعة التي تتفكك وتتشتت في أصقاع الأرض المختلفة، غير أنّها عمليةٌ ضروريةٌ في الكثير من الأحيان، ولها آثارٌ إيجابية تنعكس على الفرد نفسه، وربما على مجتمعه في وقتٍ لاحق.
فوائد الهجرة - تُوفر الهجرة عاملَ الأمن لكلّ الهاربين من ظلماتِ الحروب بكافة أنواعها، والتي تعمل على استئصال الإنسان من جذوره، وتدمير المنجزات الحضارية المُتعددة، وذلك على الرّغم من أنّ الهجرة تجعل الإنسان في َضنَكٍ خاصّةً في البدايات، وذلك لمواجهته مجتمعاتٍ جديدةٍ لم يعتد عليها من قبل، أو على الأقل لم يتهيّأ نفسياً لها.
- تُساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية للفرد، ولعائلته، خاصّةً إذا كانت الهجرة بدافع الهرب من الأوضاع الاقتصادية المُتردّية في الموطن الأصلي، كما تعمل الهجرة أيضاً على رَفد الاقتصاد في البلد الأصلي بالموارد المالية، خاصةً إذا كان عددُ المهاجرين ممن يعملون في الخارج كبيراً.
- تزيد الهجرة الاختلاط بين الأعراق، والشعوب، وأتباع الديانات، كما أنها تُساعد على تحسين صورةِ الآخر المُخالف في نظر الإنسان المُهاجر الذي لم يعرف في حياته سوى شعبه فقط، كما تساعد الهجرة أيضاً على زيادةِ التّبادل الثقافي بين الأمم، ممّا يُؤدي إلى نشوء أجيالٍ جديدةٍ مُختلطة قادرةٍ على التكيف في عددٍ من البيئات أكثر من أسلافها.
- تساعد الهجرة على زيادة تعرف الإنسان على نفسه، وعلى قدراته، ومواهبه الكامنة؛ فالهجرة تصقل شخصيةَ الفرد من خلال دمجه في بيئةٍ غريبةٍ عنه، مما يُساعده على تقوية ثقته بنفسه، وزيادة اعتماده عليها، وهذا سر نجاح العديد من المهاجرين الذين تركوا أوطانهم لأسبابٍ معينة.
في هذا السياق فإنَّ الهجرة تَزيد من خبراتِ الفرد، ومن حصيلته العلميّة والثقافية، فيكون أقدر على جلب التجارب الناجحة في شتى الميادين، ومحاولة تكييفها مع موطنه الأصلي، ممّا يساهم في خدمة شعبه ووطنه.